نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 174
قليل الطعام ببركته، وانشق له القمر، وعاد العود سيفا، ورجع الحجر المعترض في الخندق رملا مهيلا.
قال القاضي أبو محمد: وهذه المقالة من موسى توطئة لنفوسهم حتى يتعزز ويأخذ الأمر بدخول أرض الجبارين بقوة، وتنفذ في ذلك نفوذ من أعزه الله ورفع شأنه، والْمُقَدَّسَةَ معناه المطهرة، وقال مجاهد: المباركة.
قال القاضي أبو محمد: والبركة تطهير من القحوط والجوع ونحوه. واختلف الناس في تعيينها، فقال ابن عباس ومجاهد هي الطور وما حوله، وقال قتادة: هي الشام، وقال ابن زيد: هي أريحا وقاله السدي وابن عباس أيضا، وقال قوم: هي الغوطة وفلسطين وبعض الأردن، قال الطبري: ولا يختلف أنها بين الفرات وعريش مصر.
قال القاضي أبو محمد: وتظاهرت الروايات أن دمشق هي قاعدة الجبارين، وقوله: «التي كتاب الله لكم» معناه التي «كتب الله» في قضائه وقدره أنها لكم ترثونها وتسكنونها مالكين لها، ولكن فتنتكم في دخولها بفرض قتال من فيها عليكم تمحيصا وتجربة، ثم حذرهم موسى عليه السلام الارتداد على الأدبار، وذلك الرجوع القهقهرى، ويحتمل أن يكون تولية الدبر والرجوع في الطريق الذي جيء منه، والخاسر:
الذي قد نقص حظه.
ثم ذكر عز وجل عن بني إسرائيل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ. والجبار فعال من الجبر كأنه لقوته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته، والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد، وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث «موسى» الاثني عشر نقيبا مطلعين على أمر الجبارين وأحوالهم رأوا لهم قوة وبطشا وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم فجاؤوا بني إسرائيل ونقضوا العهد في أن أخبروهم بحال ال جَبَّارِينَ حسبما قدمناه في ذكر بعث النقباء، ولم يف منهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، ثم إن بني إسرائيل كعوا وجبنوا وقالوا: كوننا عبيدا للقبط أسهل من قتال هؤلاء، وهم كثير منهم أن يقدموا رجلا على أنفسهم ويصير بهتم إلى أرض مصر مرتدين على الأعقاب، ونسوا أن الله تعالى إذا أيد الضعيف غلب القوي وأخبروا «موسى» أنهم لن يدخلوا الأرض ما دام الجبارون فيها، وطلبوا منه أن يخرج الله الجبارين بجند من عنده وحينئذ يدخل بنو إسرائيل.
قوله عز وجل: